رأي

الناتو العربي أو الخيانة العظمى

ربما هو من بين أكثر الأخبار تداولا في مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين,سفينة حربية إسرائيلية ترسو في ميناء  طنجة المغربي بغرض التزود  بالإمدادات، في طريقها ربما إلى تنفيذ  مجازر وحشية بحق المدنيين الفلسطينين في قطاع غزة. كيف وصلت القضية الفلسطينية إلى هذا المنحدر المخزي والمخيب؟

ذكرت صحيفة “إل كونفيدنسيال” الإسبانية أن الحكومة الأمريكية وإسرائيل طلبتا من الإمارات العربية المتحدة والمغرب ومصر مراقبة قطاع غزة بعد الحرب من خلال إرسال قوات عسكرية إلى قطاع غزة تحت مسمى حفظ السلام وإنشاء سلطة جديدة لمراقبة وإدارة قطاع غزة بدلاً عن حركة حماس.ووفقا لها، فإن الجنود المغاربة والمصريين والإماراتيين قد يكلفون بتنظيم دوريات في قطاع غزة كجزء من عملية حفظ السلام بعد الحرب.

مقال الكونفيدنسيال قد يدفع للاعتقاد أن إعلان قبول المغرب, الإمارات ومصر بالمقترح جاء ليغذي الشكوك حول احتمال ضلوع الدول الثلاث بشكل أو بآخر في حرب الإبادة في غزة إلى جانب جيش الكيان.

الحرس الثوري من جهته كان قد حدد قائمة من 10 دول قدمت الدعم لأجل إحباط هجوم إيران المباشر على إسرائيل, وإن لم يكشف المسؤول الإيراني عن قائمة الدول العشر إلا أنه وحسب تقارير إعلامية مختلفة، فإن الأردن هو في مقدمة الجيوش التي أرسلت طائراتها المقاتلة لإسقاط الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية التي حاولت عبور مجاله الجوي في طريقها إلى إسرائيل.

كما ذكرت من جهة أخرى صحيفة “وول ستريت جورنال” أن العديد من الدول العربية في الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قدمت معلومات استخباراتية مهمة لمساعدة إسرائيل في التعامل مع الهجوم الإيراني.
وبحسب تقارير متطابقة أيضا، فإن هذا التعاون والشراكة قد مكن من تتبع 300 جسم بين صاروخ باليستي وطائرات مسيرة انتحارية منذ لحظة إطلاقها من على الأراضي الإيرانية، مما سهل من اعتراضها.

كما أفادت كذلك وكالة الأنباء الإيرانية، استنادا إلى “وول ستريت جورنال” نقلا عن مسؤول إماراتي أن الإمارات أبلغت الولايات المتحدة أنها لن تسمح مستقبلا للطائرات الأميركية في قاعدة الظفرة بشن ضربات ضد اليمن والعراق خوفا من رد فعل إيراني ضد كل الدول التي تتخذ إسرائيل من أراضيها نقطة انطلاق لعملياتها كما اعلن عن ذلك نصر الله بشان قبرص.

من جهة أخرى تبذل البحرين جهودا ديبلوماسية كبيرة لإبعادها عن شبح الرد الإيراني من خلال تعديل مواقفها بالإضافة إلى تحركا كثيفا باتجاه الجزائر لدفعها إلى التوسط لأجل تطبيع محتمل لعلاقاتها مع طهران مثلما نجحت السعودية في تحقيقه .
وقال المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، العميد رمضان شريف، إنه وعلى الرغم من المساعدة التي قدمتها هذه الدول العشر، إلا أن الهجوم المضاد الذي شنته إيران ضد إسرائيل، والذي أطلق عليه اسم “عملية وعد الحق” قد نجح في اختراق نظام الدفاع الجوي للكيان.
كما تداولت وسائل اعلام مختلفة أن رئيس الأركان الإسرائيلي اللواء هرتسي هاليفي قد إلتقى في البحرين خلال الشهر الماضي كبار الضباط العرب لمناقشة مستقبل التعاون الأمني الإقليمي .
ووفقا لموقع أكسيوس الأمريكي، فقد حضر الاجتماع السري جنرالات من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن ومصر، والذي عقد تحت رعاية قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) الجنرال إريك كوريلا.

فما الذي يدفع دول عربية إلى رفع درجات تعاونها العسكري مع إسرائيل في وقت نشهد فيه تراجع دول غربية في ذلك وإعلان إمكانية تطبيق حظر تصدير السلاح إليها بسبب مجازر غزة؟
رغم نداءات السلطة الفلسطينية بضرورة  مقاطعته, مؤتمر وارسو المعروف باسم مؤتمر الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة, عقد يومي 13 و14 فبراير سنة 2019 في عاصمة بولندا تحت إشراف الرئيس ترامب, فقد شهد اللقاء مشاركة تسع دول عربية و هي السعودية, الإمارات, البحرين , مصر , اليمن , الأردن, الكويت, المغرب و عُمان،  التي هرولت حكوماتها جميعا لتلبية دعوات القوة العظمى, الساعية  من خلال هذا اللقاء إلى تأسيس ما يسمى “الناتو العربي” و هو تحالف إقليمي عسكري يعرف باسم “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي”، أو اختصارا, بكلمة “ميسا” (MESA).

و من بين أهم أسباب تشكيله فهو بالنسبة لدول الخليج استباق لأزمة مع إيران تشير كل المعطيات أنها منفجرة لا محالة, أما بالنسبة لدولة الكيان الإسرائيلي فهو سعي منها لإشراك الدول العربية في الدفاع عنها في حال تعرضها لأي تهديد, و العكس صحيح , ففي حال دخول دولة كالمملكة السعودية في صراع مع إيران على سبيل المثال فإن  الكيان الإسرائيلي سيضع جيشه في خدمة أمن و استقرار نظام آل سلمان.
و القاعدة يمكن تطبيقها أيضا على باقي دول الخليج التي تشعر بتهديد وشيك قد تشكله إيران التي لم تعد سوى على بعد قاب قوسين أو أدنى من إمتلاك السلاح النووي المدمر الذي لن تتردد في استخدامه في سبيل إعادة أمجاد إمبراطورية فارس العظمى.
الأردن و إن كانت بعيدة جيوسياسيا نوعا ما عن أطماع طهران, فإن الإمارات, البحرين, الكويت و عمان كلها أهداف شرعية للجيش الإيراني, فأزمة ما سيعرف لاحقا بالخليج الفارسي سوف لن تستثني أي دولة منه و التي جميعها ستكون أمام خيار واحد, إما الإستسلام لنظام آية الله أو تجديد فروض الطاعة أوالانصياع للولايات المتحدة الأمريكية.

و إن كان لليمن أيضا ألف مبرر للإنخراط في هذا المسعى و هو يدفع اليوم فاتورة تدخل إيران في شؤونه الداخلية و يبحث لنفسه عن قوة عربية و دولية حاسمة تعيد له السلطة من بين مخالب الحوثيين, فما  الذي جعل دولة كالمملكة المغربية بحكم بعدها الجغرافي عن الخليج تهرول إلى إبرام هذه المعاهدة الدولية التي و إن ستورطها في مواجهة مباشرة مع إيران إلا أنه متوقع جدا أن يكون لها أثر عكسي عليها و هو توريط أطراف أخرى في حال حدوث نزاع بينها و بين الجزائر.

إن نجاح المغرب في الإنخراط فيما سمي الناتو العربي الذي يعتبر الإعتداء على أي عضو من أعضاءه إعتداء على الجميع  كان سيجعل الجزائر في مواجهة مباشرة مع جيوش دول عديدة التي و إن لا ينتظر أن تتدخل بجنودها مباشرة في النزاع  إلا أن الأكيد هو أن ما سيتلقاه الجيش المغربي من دعم بالعتاد و السلاح كان سيضمن له الصمود لأشهر في مواجهة الجيش الجزائري الذي تؤكد كل الدراسات العسكرية أنه من أقوى جيوش منطقة حوض المتوسط, المنطقة العربية و القارة الإفريقية كلها.
واشنطن كانت من جهتها قد عبرت عن اعتزام الرئيس الأمريكي جو بايدن زيارة المنطقة في بيان صادر من البيت الأبيض في شهر جوان من سنة 2022 في سبيل إنجاح مبادرة بناء تحالف أمني- اقتصادي أوسع يضم دولا عربية وإسرائيل وهو ما أكدته صحيفة  “وول ستريت جورنال” التي نشرت كذلك  خبراً  يتعلق بلقاء مسؤولين عسكريين أمريكيين مع نظرائهم في كل من إسرائيل والأردن ومصر ودول خليجية في مدينة شرم الشيخ المصرية، أين تناولوا سبل التنسيق ضد تنامي قدرات إيران الصاروخية وذات الصلة ببرنامجها للطائرات المسيّرة التي أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لدول الجوار.

من جهة أخرى, الصحافة المغربية  لم تخف قلقها من ما وصفته بالحلف الإستراتيجي الذي بات يربط الجزائر بالروس عسكرياَ وبالصين تكنولوجياَ واقتصاديا،  و من ما تصفه بمعاكسة السلطات الجزائرية الصريحة للإستراتيجية الأوروبية والأمريكية حيث لم تتردد وسائل الإعلام المغربية في اتهامها حرفيا  الجزائر بالتحوّل في الأشهر الأخيرة إلى الصف الأول عربيا “من حيث نوعية التسليح بامتلاك منظومة صواريخ إس400 الإستراتيجية، وصواريخ «كليبر الروسية» المتطورة، بالإضافة لامتلاكها لأربع غواصات من نوع «كيلو»، اثنتان منها من نوع كيلو 636، ما جعلها  حسب إعلام المملكة تدخل نادي دول الغواصات الإستراتيجية، التي تستطيع البقاء لأكثر من شهر كامل في عمق البحار والمحيطات دون أن تتزود بالوقود.

الإعلام المغربي لم يخف أيضا بهجته لحالة الإحتقان التي يعرفها الشارع الجزائري بعد النداءات التي يطلقها نشطاء معارضون عبر فضاءات التواصل الإجتماعي, حيث تضع المملكة على ما يبدوا كل قدراتها الإعلامية في وضعية استعداد لتسليط الضوء على أي حدث قد يضع الجزائر في نفس الطريق الذي قاد دول عربية أخرى إلى ما يسمى بالربيع العربي كسوريا , ليبيا و اليمن , و هذا حتى تدخل البلاد في نفق مظلم يجعلها تتنازل دون مقابل عن دورها الخارجي في دعم القضايا العادلة في العالم و في مقدمتها قضية الصحراء الغربية و ربما الدخول في فوضى كانت ستمهد حتما لتدخل ما يسمى بالناتو العربي.

و إن لم يكن وقتها بالإمكان تفسير أسباب اتجاه أمريكا بخطا ثابتة نحو دفع المغرب إلى مواجهة مسلحة ضد الجزائر إلا أن أطراف أخرى كانت مقاصدها أكثر شفافية, كفرنسا التي كانت ترى في نظام تبون المتمرد عليها  تهديد حقيقي لمصالحها, بالإضافة إلى الأردن الذي تخصص ملكها عبد الله الثاني في تجارة دولية للسلاح و ما كان من المفروض أن يترتب من مكاسب مالية له شخصيا في حال اندلاع صراع مسلح بين المغرب و الجزائروالذي كان سيرفع حتما من قيمة عقود تزويد المنطقة بالسلاح التي يشرف  عليها شخصيا حسب شهادات شخصيات بارزة في المعارضة الأردنية بالخارج.

الحقيقة أن مؤشرات كثيرة كانت تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن أمريكا خططت فعلا للتضييق طاقويا على أوروبا, و لأنها كانت تتوقع رفض الجزائر المشاركة في هذا المخطط بسبب ارتباط اقتصادها بمداخيل المحروقات فهي اقتنعت أن حربا بينها و بين جارتها المغرب قد تكون الحل الوحيد و المفروض عليها لأجل وقف إمدادات الطاقة إلى أوروبا و دخولها في أزمة هي اليوم تهدد تماسكها بالتصدع ثم التفكك, من خلال دعم المغرب بسلاح كان سيسمح لها بضرب مواقع حيوية للطاقة في الجزائر.

إن التعاون العربي الإسرائيلي الذي أصبح اليوم مكشوفا يؤكد أن ما وقّع عليه المغرب من اتفاقية دفاع مشترك ليس سوى جزء بسيط من الحقيقة التي قد تتجلى يوما وتتضح بأن جيوشا عربية تربطها بجيش الكيان اتفاقيات تجعلها اليوم مضطرة للاصطفاف خلف تل أبيب في المواجهة الخاسرة مع الفصائل الفلسطينية.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مجلة أجانب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading