الحدثرأي

تسريع انتقال السلطة

بقلم خزناجي نواري

في سبتمبر من عام 2012 وفي ذروة ثورات الربيع العربي، كتب الشيح حمد في السجل الرسمي لزوار مبنى الأمم المتحدة أين ترأس وفد بلاده قطر، في اجتماع للجمعية العامة، “ستكون المرة الأخيرة التي أقوم فيها بهذه المهمة وهذه الزيارة”.
الأمين العام للأمم المتحدة لم يفهم الأسباب التي دفعت أمير قطر بكتابة هذه العبارة التي تشير إلى فرضية واحدة وهي التخلي طواعية عن الحكم.
بعيدا عن التوظيف الاعلامي لخطوة تسليم حمد السلطة لتميم، التي وصفتها دوائر اعلامية و سياسية مقربة من الدوحة على أنها إفساح المجال للشباب لأخذ الفرصة في تطوير البلاد وطرح أفكارهم ورؤاهم، لمواجهة التحديات المطروحة في الداخل أو على المستويين الإقليمي والعالمي، فإن المتابع للشأن العربي يدرك تماما أن الربيع العربي و تداعياته على الكثير من أنظمة الحكم قد لا تكون هي وحدها وراء هذا التحوّل.
فمشاهد سقوط زين العابدين بن علي في تونس، حسني مبارك في مصر، عبد الله بن صالح في اليمن و القذافي في ليبيا و إن شكّلت صدمة كبيرة ليس للرأي العام العربي فحسب بل حتى على طبقات الحكم وأصحاب القرار في قطر، ألا أن عاملا آخرا كان حاسما ومؤثرا في دفع حمد الى اتخاذ قرار التخلي عن السلطة، وهو تردي وضعه الصحي، وتأثير ذلك على فرص تولي نجله الحكم بعده.

حمد بن جاسم – الأميرة موزة, الصراع على تسريع انتقال السلطة

على يسار الصورة يظهر حمد بن جاسم رئيس الوزراء في عهد حمد بن خليفة الذي يبدوا طريح الفراش

ففي ضل تضاءل دور أمير البلاد، تعاضم بشكل كبير دور حمد بن جاسم داخل قطر أين استحوذ على منصب الوزير الأول إلى جانب منصب آخر لا يقل تأثيرا وهو وزير الخارجية، كما أن الرجل يدير بصفة مباشرة الاستثمارات القطرية بالخارج بالاضافة إلى اخضاع ادارة تحرير الذراع الاعلامي القوي لقطر و هي قناة الجزيرة لتعليماته المباشرة و هو ما مكنّه من رفع شعبيته داخل البلاد و خارجها والأهم التسويق لشخصه بشكل أصبح يعطي الانطباع للمتابع للشأن العربي على أنه الأمير الفعلي للبلاد.
تراجع حمد بن خليفة بسبب التدهور المتكرر لوضعه الصحي الذي كان يتطلب في كل مرة نقله للمستشفى، دفع أطرافا نافذة في الأسرة الحاكمة للتفكير بجدية في نقل السلطة.
لقد كانت الفرصة كبيرة ومتاحة لحمد بن جاسم، أحد المرشحين الكبار داخل الأسرة الحاكمة، لأجل اعتلاء الحكم بسبب وجود مانع صحي يجعل من مواصلة الأمير حمد الحكم، أمرا مهددا لمصالح البلاد في الداخل و الخارج، خاصة بعد تسريب ملفه الطبي الذي يتحدث عن اصابته بعجز كلوي حاد ومضاعفات معقدة لمرض السكري.
لقد كانت الأسرة الحاكمة تتجه بخطى ثابتة نحو مباشرة إجراءات عزل أمير البلاد، لولا الدور المفصلي و الحاسم الذي قامت به الشيخة موزة الزوجة الثانية للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، التي اقنعت هذا الأخير بضرورة التعجيل بتسليم الحكم لولي العهد تميم.

الأميرة موزة, مهندسة نظرية تسريع انتقال السلطة, بعد أن نجحت في اقناع الزوج بضرورة تسليم السلطة للإبن, ماذا بعد؟

في الخامس و العشرون من شهر جوان من عام 2013، تتجسد جهود الأميرة موزة ويتسلم ابنها الشيخ تميم الحكم بعد تنازل والده حمد بن خليفة ال ثانى، قاطعة الطريق أمام ولي العهد الشيخ جاسم بن حمد بن خليفة بن حمد بن عبد الله آل ثاني، في نفس التاريخ من عام 1995، أي قبل 18 عاما، نجح الأمير المتنازل عن الحكم هو الآخر في إتمام اللمسات الأخيرة لخطوة تسريع انتقال السلطة إليه وإزاحة والده خليفة بن حمد.

فالاميرة موزة التي كانت وراء وصول زوجها للحكم، كانت مرة أخرى خلف الإبن، لتحقق استمرار تواجدها داخل دائرة صنع القرار وهذا مهما اختلفت أسماء حكام إمارة قطر الغنية.


المغرب واللالات الثلاث

 

شقيقات الملك محمد السادس في رحلة إلى باريس لتسريع انتقال السلطة إلى شقيقهم ولي ولي العهد

يعيش القصر الملكي بالمغرب، حسب مصادر اعلامية مستقلة، منذ فترة أطوار مسلسل طويل من الفضائح، والتي صارت تشغل في صمت، الرأي العام المغربي وهذا بشكل متزايد في ضل قمع عناصر الأجهزة الأمنية التي تتعقب كل من يتداول أخبار أفراد العائلة الحاكمة.

و مع تردي الوضع الصحي للملك محمد السادس والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، بالاضافة إلى تطورات الحرب التي تقودها جبهة البوليزاريو لأجل نيل استقلال الصحراء الغربية عن المغرب، لا يزال القصر الملكي يعيش على وقع صدمة محاولة اغتيال ولي العهد الأمير الشاب الحسن بن محمد.

دوائر مقربة من شقيق العاهل المغربي الأصغر مولاي رشيد بن الحسن، والذي تم عزله عن ولاية العهد وتحويله إلى الإقامة الجبرية بعد التحقيق معه قبل أشهر، هو من يقف وراء هذه الحركة التصحيحية وهذا وفق ما تداولته مصادر إعلامية إسبانية أشارت أيضا إلى مقتل العقيد يوسف العدادي مدير مكتب الأمانة المركزية بالقصر الملكي في المحاولة الانقلابية، والعثور على السائق الشخصي لولي العهد الحسن بن محمد مقتولا برصاصتين في الرأس.

لمعرفة حقيقة الصراع على السلطة في المغرب، لا بد من التعريج أولا على المحيط العائلي للملك المريض، فشقيقاته المعروفات باللالات الثلاث، الأكثر تأثيرا اليوم على محمد السادس، لا يرغبن على ما يبدوا في تسلم الإبن للعرش، فهذا الحدث يمثل بالنسبة لهن عودة المرأة الحسناء لالة سلمى طليقة الملك إلى مركز دائرة صنع القرار.

وصول ولي العهد للسلطة له حتما توابع مدمرة على مصالح الأسرة الملكية وعلى شقيقات الملك اللواتي وإن نجحن في ابعاد لالة سلمى، فإنهن اليوم معرضات لتهديد شديد في حال تحقق انتقال الحكم  إلى الابن.

لا يبدوا أن اللالات الثلاث قد نجحن في تحقيق انتقال السلطة إلى الشقيق ولي ولي العهد، فالمؤشرات تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن الطليقة ستعود للقصر الملكي من بابه الواسع بعد الساعات الأولى من أداء الإبن لليمين وهو ما قد يدفع إلى الإعتقاد بأن نظام محمد السادس المبني على العائلة مرشح للزوال.

 الصحفي الأمريكي مايك إيفانز كشف على مدونة نيويورك تايمز، أنّ شقيقات الملك سبق لهن وإن أبدين معارضتهن الشرسة لتولي ولي العهد حكم المغرب.
كما كانت تقارير أخرى قد فجرت فضيحة طلاق ملك المغرب محمد السادس من الأميرة لالة سلمى بسبب ما وصف على أنه خيانة مع القنصل الفرنسي بطنجة والذي عثر عليه جثة هامدة فاقد للحياة في ظروف غامضة.
وفي هذا السياق أكد الصحفي إيفانز أن علاقة سلمى بالقنصل الفرنسي كانت قبل زواجها من محمد السادس وهي من كانت وراء التوسط لتعيينه قنصل بالمغرب، بعد أن تعرفت عليه في وقت سابق بباريس.
إلصاق تهمة الخيانة بلالة سلمى لم يكن الهدف منه إنهاء علاقتها بالملك فحسب، بل هي تندرج ضمن مخطط مدروس هدفه التشكيك في نسب ولي العهد و فسح المجال للشقيق لخلافة محمد السادس.

فإن كانت موزة قطر قد نجحت وببراعة كبيرة في تسريع انتقال السلطة لابنها تميم قاطعة الطريق أمام الطامحين, فإن الذي يحدث في المغرب هو أبعد من أن يتكرر بنفس النسق, فمحاولات اللالات الثلاث في اقناع الملك بشكل أو بآخر بضرورة نقل السلطة للأخ, قد باءت بالفشل.

وعموما فإن الصراع على السلطة في مملكة مراكش لا يبدوا أنه سيستتب حتى ولو تسلم الإبن الصبي السلطة, فكل القراءات تؤكد أن المنهزم في معركة تسريع انتقال السلطة لن يقبل بسياسة الأمر الواقع وقد يتجه لما هو أخطر وهو تبني تقسيم المملكة لدوليات. 

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مجلة أجانب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading