الحدثرأي

عندما تساهم الجزائر في إسقاط الديمقراطية الحزبية

ها هي الانتخابات الرئاسية في الجزائر من خلال ندوة إعلان النتائج التي نشطها السيد شرفي رئيس السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، تعطي نموذجا جديدا لبلاهة وهشاشة تقاليد وأعراف الممارسة الديمقراطية التي طفت إلى سطحها عيوبها، نقائصها وأيضا هفواتها المتكررة في الكثير من المواعيد التي عرفتها دول عديدة بما فيها الأرقى في الممارسة الديموقراطية.
إن ما حدث بمناسبة الانتخابات الرئاسية في الجزائر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القضية ليست مرتبطة بعملية سرد النتائج والأرقام بل أن المعضلة أعمق بكثير من ذلك.

فليس بعيدا عن الجزائر، ها هي الجمهورية الخامسة الفرنسية من خلال قرارات رئيسها  تضرب عرض الحائط، نتائج الانتخابات التشريعية التي توجت بحصول اليسار على أغلبية، التي وإن لم تؤهلها لقيادة الحكومة، إلا أنه كان لزاما الأخذ على الأقل بعين الإعتبار، للخارطة السياسية التي سمحت بتشكيلها،  فاختيار ماكرون لوزيره الأول الجديد البعيد في انتمائه  اليميني عن اليسار المنتصر، يعد تأكيدا جديدا على أن احترام العملية الانتخابية في ضل الديمقراطية بنمطها الحالي لم يعد ضمن أولويات زعماء دول العالم.

عيوب الديمقراطية وهي التي تشكل اليوم حجر أساس استقرار النظام الدولي الحالي لم تقتصر فقط في ضبابية إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في الجزائر أو في عدم احترام  الرئيس الفرنسي لتركيبة برلمانه الحالي، بل أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قد تقدم بمناسبة الانتخابات القادمة نموذجا جديدا واضحا على افلاس الديمقراطية من خلال احتمال تكرار  مشاهد مشابهة لعمليات اقتحام أنصار ترامب لمباني حكومية رمزية في واشنطن احتجاجا  على نتائج الانتخابات الرئاسية في أمريكا التي توجت بوصول بايدن إلى البيت الأبيض رغم اتهمات ترامب له حينها بالتلاعب والتزوير.

الأمثلة عديدة وكثيرة ومتنوعة تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن العمل من أجل بناء نظام دولي جديد يمر أساسا على ضرورة تحطيم  المبادئ الأساسية المشكلة للنظام الدولي الحالي وفي مقدمتها الحق في الحياة الذي ينتهك يوميا في ظل الحرب في غزة، التي تعطي نموذجا واضحا على تخلي الإنسانية ليس على القواعد والنظم المشكلة للمنظومة الدولية فحسب بل على تخليها عن إنسانيتها ككل.

إن الجزائر التي تساهم في تغيير جوهري في طبيعة  النظام الدولي من خلال تسييرها الحكيم لعدد من الملفات الحساسة والتي بتفاعلها سترتسم ملامح نظام دولي جديد، لم يكن لها أن تتأخر عن المساهمة في إثبات إفلاس الديموقراطية بشكلها الحالي، فالانتخابات الرئاسية في الجزائر كانت فرصة أخرى للمشاركة الفاعلة في ضرب أهم  الأعمدة التي تضمن استقرار النظام الدولي الحالي.

خروج رئيس السلطة المستقلة للانتخابات بهذا الشكل المتلعثم وهو يعلن عن نتائج غير مقبولة منطقيا لعملية حسابية من الدرجة صفر ودون أي مجاهيل، قد يمكن تصنيفه في خانة التقصير، أو سوء الكفاءة أو حتى المؤامرة، إلا أنه يمكن أيضا التخمين ولو للحظة واحدة أنه يمكن أن يكون في القضية إن وأخواتها، فكيف لهيئة كبيرة بإمكانياتها البشرية والمادية وبخبرتها أيضا في إدارة العمليات الانتخابية، أن تقع في هذه الأخطاء الحسابية، كيف يمكن لشرفي أن يتجاهل نسبة الأوراق الملغات ويحاول اقناعنا أن 5 هو نصف 24 ؟  وكيف له أن يمنح لمنافسي الرئيس نسبا ضئيلة هي قريبة للاحتقار والإهانة منها إلى خيار الشعب؟ أسئلة عديدة سيتوقف البحث  عن إجابات عنها لو استسلمنا لمنطق التقصير، الكفاءة أو حتى المؤامرة، فالقانون العضوي للانتخابات يحوي حجما كبيرا من العقوبات بشأن ذلك، لكن السعي للوصول إلى الحقيقة سيجعلك مؤمنا أن الجزائر قد تكون  فعلا من خلال رئاسياتها قد ساهمت مرة أخرى في تفعيل مخطط إسقاط نمط كامل من الديمقراطية لفسح المجال لتعميم نمط آخر ينسجم والنظام الدولي الجديد الذي سيتخلى فيه فاعلوه عن جل الأدوات ووسائل النظام الحالي بما فيها الانترنيت.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مجلة أجانب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading