دولي

بايدن … أو الإبداع في التظاهر بالضعف

رغم أن الباحثين أجمعوا أن السبب المباشر لنشوب الحرب العالمية الأولى هو حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته من قبل طالب صربي يدعى غافريلو برينسيب  عام 1914 أثناء زيارتهما لسراييفو، وأن غزو ألمانيا لبولندا في 1 سبتمبر 1939 كانت بداية شرارة الحرب العالمية الثانية، إلا أَنهُمْ عَجَزوا عَنْ اَلْوصولِ إلى الحقيقة الظاهرة الغائبة وهو أن العنصر المشترك في اندلاع هذا المستوى المدمر من النزاعات هو تبني الأطراف المتصارعة لمبدإ المزايدة بالقوة.

فالاستعمال المفرط للقوة لأجل الظهور كالطرف صاحب الكلمة العليا في الصراع هو سبب اندلاع الحرب العالمية الثانية التي ذهب أكثر من 60 مليون شخص ضحية لها، مثلها مثل الأولى التي مثلت إحدى أكثر الحروب التدميرية في التاريخ المعاصر والتي توفى أثناءها عشرة ملايين جندي تقريبا، وهو ما يتجاوز عدد قتلى الجيوش في جميع حروب المائة عاما السابقة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من سنتين على اندلاع الصراع الروسي الأوكراني, فإن المتابعين للشأن الدولي لم يتوقفوا يوما على توقع اندلاع حرب عالمية ثالثة, وهذا على رغم من تورط كل اوروبا في دعم زيلينسكي ليس بالمال فحسب بل حتى بالسلاح, فما الذي منع الثالثة على الرغم من توفر كل أسباب اندلاعها.

المعادلة لا تبدوا عناصرها واضحة للجميع, ولهذا فحلها يبدوا صعب المنال, ولأجل فك طلاسيمها لا بد من الإستسلام أولا إلى خلاصة أولى وهي أن السبب الرئيسي الذي أدى إلى اندلاع الأولى والثانية غير متوفر لتفجير الثالثة وهو المزايدة بالقوة.

ففي الوقت الذي توّج تبني روسيا لمنطق القوة, بإعلن الرئيس فلاديمير بوتين مناطق لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون الأوكرانية, روسية، الطرف الآخر للمواجهة,  يبالغ في التظاهر بالضعف من خلال خرجات الرئيس بايدن التي نقلت شاشات القنوات مشاهد سقوطه أرضا في أكثر من مناسبة مثلما حدث أثناء إشرافه على توزيع الشهادات في حفل تخرج لأكاديمية القوات الجوية الأمريكية في كولورادو أو ما واجهه من صعوبة في الحفاظ على توازنه خلال صعوده إلى الطائرة الرئاسية في طريق عودته إلى واشنطن من بولندا, أو عندما ظهر في أكثر من مناسبة وهو يصافح أشباحا أو يتناول حديثا له مع شخصيات متوفاة وغيرها من مظاهر الضعف التي لم ترشح فعلا أمريكا للدخول في “المزايدة في القوة” في مواجهة مع قوة نووية مدمرة كروسيا.

ففي غياب عنصر المزايدة في القوة, غاب أهم عنصر من عناصر تسبب الحرب العالمية الثالثة, التي وإن لم تتحقق ظروف اندلاعها إلا أنها أدخلت روسيا في حرب استنزاف لا تزال تشكل تهديدا لتماسكها, بينما جعلت أمريكا في غنى عن مواجهة مباشرة كان سيمتد نطاقها إلى حدود دول حتى ولو كانت جغرافيا بعيدة.

تبني أمريكا التظاهر بالضعف ليس بهدف تجنيب العالم حربا عالمية ثالثة فحسب, بل الرسالة موجهة لأطراف أخرى لاقناعها بأن الفرصة متاحة لها لأجل تجسيد أحلامها على أرض الواقع, أولها الصين في ضم طايوان لها, إيران في تحويل الخليج من طابعها العربي إلى الفارسي ,والأخطر نتانياهو في تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى, وكلها ستتيح فرصا كبيرة لفرض عقوبات دولية على بيكين وطردها من الخليج من جهة ودفع دوله إلى تجديد فروض الطاعة والولاء لواشنطن من جهة أخرى والأهم تمرير مشروع السلام الجديد في الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مجلة أجانب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading