كيف نقلت الجزائر الضغط إلى المغرب, أمام الرباط أقل من ستين يوم لإعلان النظام الفيدرالي؟

منذ الإعلان عن مهلة الستين يوماً، ساد اعتقادٌ واسع بأن المقصود الأول بها هو الجزائر، استناداً إلى الرواية الدبلوماسية الرائجة التي تصوّر الرباط باعتبارها صاحبة مبادرة “الحكم الذاتي”، والجزائر باعتبارها الطرف المعطِّل. غير أنّ هذه القراءة تختزل المشهد، وتتجاهل سؤالاً جوهرياً: هل المبادرة المغربية بصيغتها القائمة تمثّل فعلاً أساساً قابلاً للتنفيذ دولياً، أم أنّ المغرب هو الآخر معنيٌّ بالمهلة للتأقلم نحو نظام أقرب إلى الفيدرالية المؤسّسية لا إلى مجرد شعار سياسي؟
الحكم الذاتي كما هو مقدَّم اليوم ليس إلا إدارة محلية موسّعة ضمن سيادة مركزية مطلقة، بلا برلمان إقليمي صاحب قرار ملزم، ولا قضاء مستقل، ولا ضمانات دستورية تمنع سحب الصلاحيات عند أول منعطف. بمعنى آخر: ما هو معروض اليوم هو “نصّ قابل للتسويق الخارجي” أكثر منه “صيغة قابلة للعيش على الأرض”.
ثمّ إنّ الإقليم لم يعد في البيئة السياسية نفسها التي كانت قائمة عام 2020. حرب أوكرانيا، زلزال غزة، التحولات في الساحل… كلها عوامل جعلت القوى الكبرى تبحث عن حلول تُغلِق بؤر التوتر لا عن واجهاتٍ تُجمِّلها مؤقّتاً. ضمن هذا السياق، أي حلٍّ لا يطوّق أسباب الانفجار البنيوي لا يُعَدّ حلاً.
من هنا يمكن قراءة المهلة على أنها موجّهة إلى أطراف متعددة في آنٍ واحد:
للجزائر: لتحديد موقعها النهائي: هل هي طرف تفاوض أم طرف ضمان ووساطة؟
وللمغرب: للانتقال من مجرّد شعار سياسي إلى صياغة مؤسسية حقيقية أقرب إلى الفيدرالية.
القول بأن المهلة “ضد الجزائر” وحدها ليس سوى امتداد للمنطق الذي عطّل التسوية نصف قرن: البحث عن “مذنب” بدل البحث عن هندسة حل. النزاعات الإقليمية من هذا النوع لا تُحسم بالخطاب، بل بالهندسة الدستورية وتقاسم السلطة وضمانات عدم الارتداد.
والخلاصة: إنّ سؤال الستين يوماً لا يُطرح على الجزائر وحدها، بل على المغرب أيضاً. فقبل أن يُطلب من الآخرين القبول، يُطلب من الرباط تعديل المبادرة نفسها من شعار إلى نظام. عندئذ فقط يمكن الحديث عن حلٍّ نهائي، لا عن هدنةٍ مُلبّسة بعنوان “حكم ذاتي”.
ثم أنه عند الحديث عن “فرض تسوية” بين الجزائر والمغرب، كثيرون يركّزون على الربح والخسارة بين الدولتين، بينما الخاسر الحقيقي في مثل هذا السيناريو هم وكلاء الحروب الذين بنوا أدوارهم ومكاسبهم على إشعال النزاعات ثم التدخل بالوكالة.
هذه الشبكات, أفراداً كانوا أو عواصم أو مراكز نفوذ, تعيش سياسياً وإعلامياً ومالياً من تدوير النزاعات:
تشعل التوتر، تملأ الفراغ الدبلوماسي، ثم تتدخل لاحقاً كـ “وسطاء” أو “خبراء” أو “قنوات خلفية” لتقطف مكاسب النفوذ الشرعية والتمويل.
ما يفعله ترامب، إن صحّ أنه يدفع لوقف خطر الانزلاق إلى صدام جزائري ـ مغربي، لا يهدّئ فقط جبهة شمال إفريقيا، بل يقطع شريان حياة لوكلاءٍ اعتادوا أن الحرب هي شرط وجودهم. فمن دون نزاع، تسقط فجأة قيمة “خدماتهم” ولا يبقى لهم ما يبيعونه لواشنطن أو للعواصم الإقليمية.
والأمر أخطر من ذلك:
إذا انقطع أمل الحرب، انقطع تلقائياً سوق “المهمّات القذرة” التي يُعهد بها للوكلاء, من تمويل وإعلام، إلى تهريب، ولعب لأدوار الظل في صناعة الاصطفافات. فسلام مفروض يعني نهاية العمولات السياسية، ونهاية صفقات الواسطة بين الكبار والصغار.
لهذا تحديداً، ليس غريباً أن ترى أشدّ الأصوات رفضاً لتسويات ترامب ليست بالضرورة أصوات من المغرب والجزائر، بل أصوات “أجهزة ظلّ” و”معلّقين” و”واجهات إعلامية” يرتجفون من مستقبل بلا نزاع، لأنهم يعرفون أنّ قيمة دورهم تسقط لحظة يُرفع الغطاء الأمريكي عن مشروع الحرب.
فإذا فُرض السلام بين الجزائر والمغرب، لن تخسر الدولتين شيئاً جوهرياً… الذي سيخسر فعلاً هم الذين عاشوا على النيران المستعارة، فالحرب تُنقذ الوكلاء، والسلام يفضح فراغهم.
بقلم خزناجي نواري








مقال في القمة استاذ شكرا على المجهود
وجهة نظر وتحليل سديدة السؤال اخ نواري هل حان وقت اجتثاث التنظيم الهرمي في ظل التطورات الحاصلة وقرار ترمب بتجفيف اماكن التوترات
تحليل في المستوى كشف الكثير من زوايا الحقيقة في هذا الملف
تحليل ينم عن احاطة بالاوضاع فالحرب اداة ريعية لاولي الربيعية و السلم فضاء جامع….لمن هو متدبر عاقل سامع…شكرا للاستاذ ونبقى يقظين للاحداث استشرافا وحين يمكن لها الله فرص نجاح الامن منبع كل تنمية انسانية واسعة…….
بناء نظام دول جديد … لو انطلقنا من كلمة .. بناء .. فهي كلمة تتجسد بكل معانيها و فصولها في هذا المشهد الذي سردته في هذا المقال ، فحين تتبع مراحل و خلق الاسباب و صناعة النتائج .. تفهم ان الذي يدير هذا العالم يتقن مهنة البناء حقا ، و يحسن وضع الياحورة فوق الياحورتين .. ( كما يقول جاري الماصو )
ياجورة الجزائر ، و ياجورة المغرب .. و البوليزاريو من فوق