النسخة الفرنسية للصيغة الورقية

PDF
الحدثدولي

الأمم المتحدة تدعوا طرفي النزاع, المغرب وجبهة البوليزاريو إلى استئناف المفاوضات

اعتمد مجلس الأمن الدولي، في جلسته المنعقدة بتاريخ 31 أكتوبر 2025، القرار رقم 2756 (2024) القاضي بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) لمدة سنة إضافية، إلى غاية 31 أكتوبر 2025.
ورغم أن القرار يبدو في ظاهره تجديدًا تقنيًا لعمل البعثة، إلا أنه يحمل في جوهره تحولًا سياسيًا واضحًا في مقاربة المنظمة الأممية للنزاع، إذ يؤكد على ضرورة التفاوض السياسي الواقعي دون أن يلغي التمسك بخيار تقرير المصير الذي حرص القرار على التأكيد عليه.

لكن المهم هنا هو أن القرار، خلافًا لما روّجت له بعض الأوساط الإعلامية، لا يدعو بأي حال من الأحوال إلى ضمّ الصحراء الغربية إلى المغرب، بل يُجدّد الدعوة إلى مواصلة المفاوضات بين جميع الأطراف المعنية، تحت رعاية الأمم المتحدة، بغية الوصول إلى حلّ توافقي يضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي.

 جوهر القرار: دعوة إلى الحوار لا إلى الإلحاق

الفقرة المركزية في القرار تنص على أن مجلس الأمن:

“يدعو الأطراف, أي المملكة المغربية، جبهة البوليساريو، الجزائر، وموريتانيا, إلى استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية، تحت رعاية الأمين العام، من أجل التوصل إلى حلّ سياسي عادل، دائم ومقبول من الطرفين، قائم على التوافق ويضمن حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية.”

هذه الصياغة تُظهر أن الأمم المتحدة لم تغيّر موقفها القانوني من الإقليم، إذ ما تزال تعتبره إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي يخضع لمسار تسوية سياسي.
لكن لغة القرار أصبحت أقرب إلى الخطاب المغربي، فهي تتحدث عن “الواقعية والتوافق”, وهي المفردات التي تكرّرها الرباط منذ طرحها مبادرة الحكم الذاتي عام 2007.
ومع ذلك، لا يتضمن القرار أي اعتراف بسيادة المغرب على الإقليم، ولا أي إشارة إلى الضم أو الاندماج، بل يؤكد أن شكل الحلّ النهائي يجب أن يكون ثمرة تفاوض لا فرض.

نتائج التصويت ومواقف الأعضاء
12 دولة صوتت لصالح القرار،
روسيا وموزمبيق امتنعتا عن التصويت،

أما الجزائر فلم تشارك، احتجاجًا على رفض المجلس تعديلين تقدّمت بهما حول حقوق الإنسان والمرجعيات القانونية السابقة.

الجزائر رأت أن القرار “يُكرّس اختلال التوازن ويميل لصالح الطرح المغربي”، معتبرة أنه “يتجاهل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر استفتاء حرّ”.
روسيا بدورها قالت إن القرار “لا يعكس الواقع الميداني ولا يميز بين طرفي النزاع”، بينما اعتبرت فرنسا والولايات المتحدة أن النص “يمثل خطوة واقعية نحو حلّ سياسي دائم”.

تحوّل في لغة الأمم المتحدة
منذ التسعينيات، كانت القرارات الأممية حول الصحراء الغربية تربط “حق تقرير المصير” بـ“استفتاء تنظمه الأمم المتحدة”.
لكن القرار 2756 (2024) يتجنّب تمامًا ذكر كلمة “استفتاء”، ويستبدلها بمفهوم “حلّ سياسي قائم على التوافق”، ما يعني أن الأمم المتحدة نقلت الملف من منطق قانوني جامد إلى منطق تفاوضي مرن.
ورغم ذلك، أبقى القرار على عبارة “حق تقرير المصير” كمبدأ عام، حفاظًا على الشرعية الأممية، دون أن يحدّد آلية تطبيقه.

المرجع القانوني: الفصل السادس لا السابع
لفهم طبيعة القرار وحدود إلزاميته، يجب التوقف عند الأساس القانوني الذي صدر بموجبه.
فهو قرار صادر بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، المتعلق بـ«حلّ النزاعات بالطرق السلمية»،
وليس بموجب الفصل السابع الذي يتعامل مع “حالات تهديد السلم أو العدوان” ويتيح فرض عقوبات أو استخدام القوة.

🔹 الفصل السادس يمنح مجلس الأمن سلطة تقديم التوصيات وتشجيع الحوار، دون فرض إجراءات قسرية.
🔹 أما الفصل السابع فيُخوّل المجلس اتخاذ تدابير ملزمة قانونيًا مثل العقوبات الاقتصادية، قطع العلاقات، أو حتى التدخل العسكري (المواد 39 إلى 51).

لذلك، فإن القرار 2756 ليس ملزمًا قانونيًا، لكنه ملزم سياسيًا باعتباره المرجعية الدولية الوحيدة لتنظيم العملية التفاوضية المقبلة.
بمعنى آخر: الأمم المتحدة تشجع التفاوض لكنها لا تستطيع فرضه، ولا تُعاقب من يرفض.

القرار لا يمنح المغرب السيادة
رغم أن القرار يستخدم لغة “الواقعية والتوافق”، فإنه لا يعترف للمغرب بسيادة على الإقليم، ولا يُغيّر الوضع القانوني للصحراء الغربية باعتبارها إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي.
بعثة الأمم المتحدة ما تزال تُعرف رسميًا باسم “بعثة تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO)”،
والأمم المتحدة لم تُسقط خيار تقرير المصير، بل أبقت عليه ضمنيًّا كإطار تفاوضي لا كآلية استفتائية.

بالتالي، ما يمنحه القرار للمغرب هو أفضلية سياسية في لغة التفاوض، لا اعترافًا بالسيادة.
أما الحلّ النهائي، فسيبقى مشروطًا بنتائج المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين الأطراف الأربعة.

ردود الفعل الإقليمية والدولية
المغرب رحّب بالقرار واعتبره “تأكيدًا على جدية ومصداقية مبادرته للحكم الذاتي”.
جبهة البوليساريو وصفته بأنه “نكسة قانونية وأخلاقية” و“تراجع عن مبدأ تقرير المصير”.
الجزائر رأت فيه “انحرافًا عن الشرعية الدولية”، مؤكدة أن الشعب الصحراوي “وحده صاحب الحق في تقرير مصيره”.
فرنسا والولايات المتحدة اعتبرتا القرار “واقعيًا ومتوازنًا”، فيما شددت المملكة المتحدة وسويسرا على أهمية إدراج حقوق الإنسان ضمن مهام المينورسو.

القرار 2756 (2024) لا يُغيّر الوضع القانوني للصحراء الغربية، ولا يمنح المغرب السيادة، لكنه يُعيد رسم الإطار السياسي للمفاوضات بطريقة تخدم مقاربته الواقعية.

إنه قرار سياسي أكثر منه قانوني، يهدف إلى إحياء المفاوضات لا إلى فرض تسوية أو إقرار ضمّ.
وباعتماده على الفصل السادس، يؤكد مجلس الأمن أن الملف الصحراوي ما يزال نزاعًا سياسيًا قابلًا للحل السلمي، لا تهديدًا للأمن الدولي يستوجب تدخّلًا قسريًا.
هكذا، يظل القرار الجديد تفاوضًا بلا استفتاء، وشرعية أممية بلا أدوات إلزام, وهو ما قد يفسر في الرباط على أنه انتكاسة حقيقية لأنه لا يعترف مباشرة بمغربية الصحراء ويدفع إلى مفاوضات قد يكون فيها للصحراويين مطالب أخرى قد تقلب الطاولة على المشروع المغربي, فماذا لو طالبت البوليزاريو بضمانات أوسع وفي طليعتها اعتماد النظام الفيدرالي في المغرب؟

 

لمطالعة نص البيان كاملا إضغط هنا 

‫3 تعليقات

  1. تقرير مفصل و مفهوم ، لمن تابع تحليلاتك السابقة …
    و من خلاله .. ندرك اليوم ان القوى العظمى تحسن اختيار المصطلحات لإصدار القرارات ، و تدرك مآلاتها و نتائجها على ارض الواقع ..
    كل المصطلحات المستعملة في التقرير المصوت عنه ، تنبئ بان المغرب يتجه لمشاورات مع الصحراويين لتطبيق النظام الفيدرالي ، و بعدها سيكون حديث آخر ، و ظروف أخرى ، و اكيد مخرجات مغايرة .

  2. المفواضات ستدخل الساحة و تمديد بعثت المنرسو الى سنة كاملة سيحدث كثير فى المغرب .صحت الملك.صراع على العرش.ازمات ذاخلية تشتد..سنة كاملة اضن ستكون متغيرات كثيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى